_ الفصل الخامس عشر _ ، _ الاخيــر _
_ لم يكن مجرد حلم ! _
_ ما بين عمرا ذهب ، وعمرا اتي ، حلقة كانت تفقده لذة العيش بسلام _
طرقات علي باب المنزل ايقظت نور الدين من نومه ، اتجه بفزع نحو خارج غرفته ، هبط دراجات السلم وتوجه لـ الباب ليفتحه لسراج الذي مع سرعته نسي ان يأتي بمفاتيح المنزل ، خلفه ظهرت نيرمين القلقة ايضا ونجوان ، فتح الباب فوجد سراج امامه ، ملامحه لا يمكن وصفها ، غاضبة ، تائهة ، بداخله بركان يوشك علي الاندلاع
لم يكاد يتحدث حتي دفعه سراج ودخل لـ المنزل ، اغلق الباب خلفه والتف لهم ، ينظر لهم جميعا ناطقا:-
_اية اللي حصل معايا من سنة ؟
هوي قلب نيرمين من الخوف ، فالتاريخ الذي يقصده هو الذي نشب فيه ذلك الحادث الشؤم ، توجهت بنظراتها بقلق نحو نور الدين ، الذي ابتلع ريقه بتوتر مرددا:-
_اية اللي حصل يعني ياسراج ! محصلش حاجة حياتك من يومها وهي بتمشي بنفس السيناريو
قال بعقل ملئ بالومضات التي قاربت علي ان تصيبه بالجنون:-
_لا ، في يوم حصلت في حاجة ، في يوم بسببه انا بحلم بكوابيس ، بسببه حياتي اختلفت واتغيرت عن زمان
نور الدين بنفي واهي:-
_مفيش حاجة حصلت ، انت بس من كتر ما بتحلم بالكابوس حسيته حقيقي
سراج بصياح:-
_انا شوفت صورة واحد انهاردة ، بعدها الحلم ظهر كله قدامي بوضوح
صمت ثم اكمل بأنهيار:-
_بس مش عايز اصدق ، مش قادر اصدق اني قتلت حد
نظر لـ نور الدين ، اقترب منه هاتفا برجاء:-
_قولي اني مقتلتش يانور ، قولي اني مش مجرم
رمقن بحزن ، الحقيقة تقترب علي الظهور ، لكنه سيفعل المستحيل كي لا تظهر ، ربت علي كتفه وهو يغمغم بخفوت:-
_انت مقتلتش ياسراج ، انت مستحيل تقتل لو كنت في وعيك
انهار سراج بقوة في البكاء ، سقط بدون ارادة منه علي الارض ، كذلك جلس بجواره نور الدين ، حاول ان يهديه لكن قطع تلك اللحظات صرخات نجوان الانهارية:-
_بطل كدب بقي ، حتي بعد ما قالك انا قتلت بتكدبه ، خلي عندك ضمير ودم ولو لمرة واعترف بالحقيقة يانور ، معقول مش حاسس بالذنب مش حاسس بتأنيب ضمير..!!
نظرت لسراج ناطقة بقوة:-
_سراج انت قتلت ، اليوم اللي غيرولك فيه العربية قبله هما داسوا علي روح حد من غير رحمة ، انت قتلته وهما داروا عليك ، سراج انت قاتل .. قاتل
نظر لها بزهول ، الصورة بدات كذلك توضح في عقله جيدا ، ساد الصمت الثقيل علي الجميع ، سراج عيونه متسعة بقوة وكل ما يجول في عقله فقط انه … قاتل
يحمل ذنب احدهم علي كتفه ، اذن لهذا السبب يشعر بثقل علي اكتافه ، انه يحمل جرم روح ، فُقدت بسببه
نهض عن مكانه ، كاد يسقط بسبب اعصابه التالفة ، حاول نور الدين ان يساعده الا انه آبي ذلك
نهض نور الدين ايضا ، بقي ينظر له بصمت ، نظر له وسأله بجمود:-
_قدرت ازاي تخفي الجريمة ، قدرت ازاي تتخلص من العربية ، قدرت ازاي تنام وانت عارف ان اخوك قاتل ، عرفت تنام مع قاتل في بيت واحد كيف ؟
نور الدين:-
_انت مش قاتل
سىاج بصراخ:-
_لا قاتل ، قولي ازاي قدرت تتخلص من دا كله ، قولي كيف قدرت تداري علي اخوك
تنهد نور الدين بتعب ، ما اخفاه دوما حان وقت ظهوره الان ، خرج صوته اخيرا:-
_صاحب المحل بمكالمة واحدة عرفت تاريخيه وانه كلب فلوس ، كاميرته اللي صورت الفيديو خليته خدش فيها الفيديو علشان متبينش لا نوعها ولا ارقام لوحتها ، قولتله نخدش الفيديو بس منحذفهوش علشان محدش يشك ، وخليته يقول انها بايظة ، بعت العربية بتاريخ قديم ، نوع العربية دا من شهر لو اتباع كنت هخسر عشرة الاف ، في وقت الحادثة لو اتباعت كنت هخسر خمسة ، الكسبان كدا صاحب المعرض لو بيعت بالقديم ، فوافق علطول
نظر له بزهول ، كذلك نجوان التي كانت تعلم بعض الاحداث لكن ليس بذلك التوسع اكمل نور الدين:-
_من محاسن الصدف اني كلمت الورشة بأسمك وبعت ليهم عربية يصلحوها علي انها بتاعتك ، يعني لو كانوا وصلوا لاي حاجة وكانوا شاكين في الامر ، لو اتواصلوا مع ببلاوي هيأكدلهم انك بتستخدم عربية غيرها من قبل الحادثة بأسبوع ، الجثة لقيوها تاني يوم في مكانها ، بعد ما مسحت انا من عليها اي بصمات ليك ، لانه مش شخصية مهمة ، او من عيلة غنية الامر مدوروش وراه كتير ، مفيش دليل ملموس ، فالقضية اتقفلت
تعالت شهقات نيرمين بعدنا انتهي نور الدين من حديثه ، لكن سراج لم يرمش له جفن ، ظل يرمقه بنظرات مظلمة
ثم توجهه نحو الباب ناويا الخروج ، قال وهو يفتح الباب:-
_مش مسامحك يانور الدين ، مش مسامحك طول عمري علي اللي عملته دا ، اتمني متكونش مستني مني الشكر علي اللي عملته لانك متستحقوش
ثم رمقه بنظرة تحقير وغادر
ولم يستمع لصوت نور الدين الذي قال:-
_انت شوفت صورته منين ؟!
****
دخل لـ المنزل بخطوات بطيئة ، عيونه تنظر للاسفل بحزن ، يشعر بجبال تعلو كتفيه ، كيف سينظر لعيونها بعد الان بالله ؟ اقترب وجلس علي اقرب مقعد قابله ، جاءت هي له بعدما سمعت لصوت الباب يُفتح ، جلست علي مقعدا مجاورا لمقعده ، ربتت علي كتفه فانتفض من مكانه ، قالت بقلق:-
_سراج في اية ، مشيت لية كدا مرة واحدة
تطلع لها بدموع ولم يرد ، كاد يحن قلبها له لكنها تحملت بشدة علي نفسها ، خرج صوته مختنقا بالدموع:-
_تعملي اية لو اكتشفتي انك قاتلة ياهانيا ! قتلتي حد ونسيتي تاني يوم جريمتك ، محدش حاول يقولك عليها ، داروا عليها كأنهم بيداروا علي طفل دلق الشاي علي سجادة نضيفة وخافوا من امه لتعاقبه ، داروا وكأنهم بيداروا الحقيقة من بني ادم زيهم خافوا من الشرطة والحبس ومخفوش من ربنا ياهانيا
سقطت دمعة من عيونه مكملا:-
_اتخيلي كنت هقف قدام ربنا اتعاقب علي اكبر ذنب عملته في حياتي وانا معرفش !
تصنعت الجهل وهي تقول:-
_قتلت مين بس ياحبيبي ، واية الكلام الغريب اللي بتقوله دا
بادلها سؤالها بـ اخر:-
_اخوكي مات ازاي ؟
قالت بحزن:-
_عمل حادثة ، لقيوا جثته تاني يوم في شارع ضلمة ، الشرطة حاولت تدور علي اللي عمل كدا بس ملقيوش اي دليل ضد حد ، فأتقفلت القضية
قالت اخر جملة بمرارة ، اؤما لها بشرود حزين ، احدهم مات بسببه ، بسبب افعاله المستهترة ، سكره وخمره اضاع روحا ، تأوه بوجع داخلي وهو يمسك رأسه بقوة ، الجرعة قاربت علي الانتهاء من جسده ، اغراضها ستظهر الان ، كذلك قلبه يؤلمه ، اخيرا دوامات من الذكريات والاحداث تعصف برأسه
قالت وهي تستعد لتنهض:-
_اجهزلك قهوة ، لـ المرة الاخيرة
قال وهو لم ينتبهة الا لـ كلمة قهوة:-
_ياريت ياهانيا
الان يستطيع ان يقوله انه علم شيئا وحيدا ، ذلك الحلم لم يكن مجرد حلم ، لم يكن حلما عاديا ، ذلك الحلم كان واقعا حيا ملموسا ، عاشه في يوما ما .. دون ان يعلم !!
****
صرخ نور الدين في نجوان بغضب:-
_انتي مجنونة ، ازاي تقوليله الحقيقة ، انتي اصلا عرفتي الكلام دا منين
ارتعشت اثر صوت صراخه ، لكن رغم ذلك قالت بصوت قوي:-
_اومال كنت عايزني اخبي علي الجريمة زيك ، افضل طول عمري شيطان اخرس ، انا من ساعة ما عرفت وانا مبنمش ، ضايعة ومعرفاش هعمل اية وهقول اية ، ما صدقت الفرصة جتلي علي طبق من دهب علشان ارتاح يانور
جاء ليتحدث فقاطعته نيرمين:-
_نور ، انا شايفة ان كدا احسن ، الحقيقة في يوم كانت هتبان ، سراج برضوا كان لازم يعرف اية سبب كوابيسه
قال بحزن عنيق:-
_سراج قالي مش مسامحك ياعمتي ، قالي انه عمره ما هيسامحني
نجوان بصراخ:-
_هو دا اللي هامك ! مش هامك الروح اللي حقها ضاع بسببك ، مش خايف من ربنا ، مش خايف من الاخرة وعقابها يانور
ارتعش بداخله اثر حديثها ذلك ، بدنه اهتز هزا ، لكنه تمالك اعصابه التالفة وهو يسألها بجمود:-
_انتي اصلا عرفتي الكلام دا منين
_سمعتك انت وبتكلم ماما و…..
وراحت تقص عليه كل ما سمعته منهم ، اؤما بشرود عدة مرات بالايجاب وهو يستمع لها ، بالحقيقة كان يستمع بدون اهتمام وانصات ، عقله كان منشغلا بالتفكير بسراج ، كيف حالته الان ياتري ؟
اصابه الخوف من ان يكون اصابه شيئا فقال وهو يستعد ليغادر:-
_انا هروح اشوف سراج
نيرمين:-
_يابني مش لازم تقابله دلوقتي ، هو اكيد مش هيبقي عايز يشوفك ، هانيا معاه وهي هتهديه اكتر مننا
خرج صوت نجوان:-
_هانيا كلمتها وكانت بتقول انها رايحة بيتها ، في حاجات محتجاها هتجمعها من هناك لو اتأخرت في تجميعها هتبيت
لم يرد عليهم ، بل توجه مسرعا نحو الخارج ، حتي هانيا ليست هناك ، اخيه الان وحيدا … وحيدا لـ الغاية
****
جسده راح يرتعش بقوة ، حبات من العرق تظهر علي جبينه ، جسده بات باردا لـ الغاية ايضا ، ابتسمت بشر وهي تقول:-
_للاسف ياسراج ، القهوة ريحتك اول ما شربتها لكنها دلوقتي هتجيب اجلك
نظر لها بعدم فهم ، فقالت وهو تقترب بوجهها منه ، قابلت عيونه الحائرة بعيونها الوامضة بوميض الكره:-
_تعرف قهوتي لية كانت بتريحك ! لان فيها كنت بحطلك سم طعمه حلو ، بحطلك مخدرات بأيدي ياسراج ، انهاردة علشان صعبت عليا حيرتك وحزنك قولت اريحك للابد ، حطيتلك كمية تموتك ياسراج
نظر لها بزهول فقالت بسخرية:-
_اتفجأت لية كدا من كلامي ؟ خفت مني واتصدمت اني قاتلة ، طيب ما انت قاتل وانا متكلمتش
خرج صوته مرتعشا بقوة:-
_انتي…
قاطعته بجمود:-
_عارفة انك قاتل اخويا ، عارفة ان ايدك غرقانة بدمه ، اخوك كمان ايده غرقانة بدمه ، كلكم غرقانين بدمه ، كلكم تستاهلوا العقاب والموت ، متستهلوش تعيشوا في راحة ابدا
ذهبت لطاولة توجد عليها صورة لاخيها قد اخرجتها من الملغف ، اخذتها ثم توجهت نحو الاريكة التي جلس عليها هو يتألم ، وضعت الصورة امام نصب عينيه و:-
_اللي قدامك دا مش زيك ، ميعرفش حاجة في حياته غير انه يوفر لاخته حياة كويسة ، من بيته لشغله ومن شغله لبيته ، اللي قدامك دا اخويا اللي راح هدر بسببك
قال بدموع:-
_انا مكنتش في وعيِ
صرخت بجنون:-
_متقولش الكلمة دي ، الكلمة دي بتعصبني ، مكنتش في وعيك يعني حد شربك حاجة صفرا !! ما انت مكنتش في وعيك بارادتك
ابتعدت الخطوات التي اقتربتها ، وضعت الصورة مكانها ، قالت وهي تخرج حقائب بلاستيكة من المخدرات من جيوب بنطالها:-
_السم دا بيجري في دمك دلوقتي ، شوية ولو محدش لحقك هتموت ، انا الحقيقة اتوصيت بيك اوي انهاردة ، وللاسف محدش هيلحقك ، دلوقتي انا همشي وحتي لو ممشيتش اكيد مش هتصعب عليا ، تليفونك اخدته منك من غير ما تحس اول ما جيت ورميته ، الخط الارضي قطعت سلكه ، انت دلوقتي هتموت ومحدش هيحس بيك
قال بوجع:-
_هانيا انا حبيبك .. جوزك معقول هتعملي فيا كدا
هانيا بقسوة:-
_حبيبي ميقتلش اخويا ، انتي قتلته تبقي مستحيل تكون حبيبي ، انا همشي من هنا ومحدش هيقدر يشك فيا ولو واحد في المية
راحت تعد علي اصابعها وهي تردف:-
_اولا انت سكري وخمري وبتاع سهر ، محدش يعرف انك بطلت حتي اخوك ، يعني فكرة انه تدمن مش بعيدة اوي ، ثانيا انا كلمت نجوان وهي عارفة اني دلوقتي في بيتي ، ثالثا ملك هتثبت بقوة اني دلوقتي نايمة علي سريري وباكل رز مع الملايكة ، رابعا احنا عمارتنا مفهاش غيرنا ، البواب في بلده انهاردة ، يعني محدش هيشوف خرجت امتي ولا روحت فين
ابتسمت بسمة مخيفة بنهاية حديثها مستردفة:-
_بعرف افكر انا كمان واخطط زي اخوك .. صح ؟
نظر لها بصمت ولم يتحدث حتي اوجاعه بات لا يشعر بها ، يشعر كأن جسده متخدر ، اقوي وجع تعرض له هو وجعه منها ، اقوي آلم يسيطر عليه الان و يعاني منه هو آلم خيانتها هي
اقتربت منه القت بعض حقائب المخدر حوله ، كذلك فتحت حقائب وقامت برشها حوله ، توقفت اخيرا ، نظرت له بعيونها وهي تهمس:-
_باي باي ياجوزي ، في الجنة تتهنا
ضربت جبهتها بيدها و:-
_اوبس .. قصدي في جهنم
اقتربت تقبله علي وجنتيه وهي تهمس بخفوت:-
_اتمنالك موتة في غاية الآم والصعوبة والوجع
ثم تركته و غادرت ، تركت باب المنزل مفتوحا كذلك ، ربما احدا يلحقه !
هبطت دراجات البناية ، خرجت من بوابتها ، سارت بخطواتها مبتعدة عنها ، كانت تسير بوجهه لا تستطيع ان تقرا فيه اي ملامح ، سقطت منها دمعة سهوا دون ارادة منها
مسحتها بعنف وقوة ، كانت المنطقة فارغة تماما فخرج صوتها صارخا:-
_آهـــآآآ يـاســراج آهـــآآآ
تحبه بالله تحبه ، رغم ما فعله تحبه ، رغم ما فعلته تحبه ..
****
صف نور الدين سيارته امام البناية ثم اتجه لـ داخل البناهة ركضا ، وصل لـ الطابق المنشود ، كاد يطرق علي الباب لكنه وجدا مواربا ، دخل والتعجب والقلق ارتسم علي ملامحه ، وقعت عيونه علي اخيه ، ساقطا هلي الارض ك جثة هامدة ، حوله حقائب المخدرات البيضاء حيث كان ينازع منذ قليل ليقف لكنه فشل فسقط ارضا ومعه سقطت بعض من الحقائب تلك التي وضعتها هانيا بجواره ، توجه له وجلس علي ركبيته امامه ، وضع رأس اخيه علي قدمه وهو يقول:-
_سـراج .. سـراج ، رد عليا ياسـراج
قرب يده من انفه وجد انفاسه تكاد لا تخرج ، قليلة لدرجة انه عندما يعد النفس سـ ينسي رقمه عندما يصل لـ الذي بعده
جسده كذلك كان باردا كالثلج ، يرجف بقوة ، انتبه لحقائب المخدرات لمسها ومسك احداهم وقام بشمها ، عندما علم ما هي صاح بأنهيار:-
_لية ياســراج ، لية ياســراج
قام بهزه عدة مرات وهو يقول:-
_رد عليا ، رد علي اخوك ياسراج ، متسبنيش بالله عليك ، لية عملت كدا .. لية عملت كدا
خرجت شهقة قوية من سراج ، معها توقف قلب نور الدين عن النبض لم يستجري ليقرب يده ليراه ان كان حيا ام ميتا بعد تلك الشهقة
ما فعله انه ضم جسده بقوة فقط لاحضانه وهو يصيح ببكاء:-
_ســـــــــــرااااااااااج
اترك رد